تطـابـق مذهل
ما أكثر الآيات التي استوقفتني طويلاً، فوقفتُ أمامها خاشعاً في محراب جلالها وجمالها، متأمِّلاً دقّة بنائِها وإحكامها، وروعةَ أسلوبها وسحرها، ومتدبِّراً دِلالاتها ومعانيها، ومتفكِّراً في عجائبها وعلومها ومعجزاتها.
كيف لا أقف هذا الموقف وأنا أمام أعظم وأجمل وأروع كتاب على الإطلاق، ألا وهو
الكتاب الذي وضع الله تعالى
فيه علمَه فقال: ﴿لـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ
شَهِيداً﴾ [النساء: 166].
هجوم على الإعجاز العلمي صدرت بعض المقالات مؤخراً يتساءل أصحابُها: إذا كانت
هذه الحقائق العلمية والكونية موجودة في القرآن منذ 1400
سنة، فلماذا تنتظرون الغرب حتى يكتشفها ثم تقولون إن
القرآن قد سبقهم للحديث عنها؟ ولماذا تحمّلون النص القرآني
ما لا يحتمل من التأويل
والتفسير؟
والجواب نجده في نفس الآيات التي جاء فيها التطابق بين العلم والقرآن،
فهذه الآيات موجهة أساساً للملحدين الذين لا يؤمنون بالقرآن،
خاطبهم بها
الله تعالى بأنهم هُمْ مَن سيرى هذه الحقائق الكونية، وهم من
سيكتشفها.
لذلك نجد البيان الإلهي يقول لهم: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53].
هذه الآية الصريحة تخاطب أولئك الذين يشكّكون بالقرآن، وأن الله سيريهم آياته
ومعجزاته حتى يدركوا ويستيقنوا أن هذا القرآن هو الحق، وأنه كتاب الله تعالى.
ويخاطبهم أيضاً بل ويناديهم بقوله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ
غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ [النساء: 82].
إذن لو كان هذا القرآن من عند بشر أي من عند غير الله تعالى، لرأينا فيه
الاختلافات والتناقضات، ولكن إذا رأيناه موافقاً ومطابقاً للعلم
الحديث ولا
يناقضه أبداً، فهذا دليل علمي على أنه صادر من الله تبارك
وتعالى فهو
خالق الكون وهو منَزّل القرآن.
وهذا هو هدف الإعجاز العلمي، أن نرى في هذا القرآن التناسق في كلّ
شيء، ولا نجد فيه أي خلل أو خطأ أو تناقض، وهذه مواصفات كتاب الله
تعالى. بينما كتب البشر مهما أتقنها مؤلفوها سيبقى فيها التناقض والاختلاف
والأخطاء.وأكبر دليل على صِدق هذه الحقيقة القرآنية أن
العلماء بدءوا يغيّرون
مصطلحاتهم الكونية: مثل (فضاء) إلى (بناء). إذن هم
اكتشفوا أنهم مخطئون
في هذه التسمية فعدلوا عنها إلى ما هو أدقّ وأصحّ منها
بعدما اكتشفوا المادة
المظلمة.ولكن القرآن المنَزَّل من الذي يعلم أسرار السماوات
والأرض، أعطانا
التعبير الدقيق مباشرة، وهو القائل عن كتابه الكريم:
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصّلت: 42].
إن هذه الاكتشافات لو تمَّت على أيدي مؤمنين ثم قالوا إنها موجودة في القرآن
إذن لشكَّك الملحدون بمصداقيتها، وقالوا بأنها غير صحيحة. ولكن المعجزة
أنك تجد من ينكر القرآن يردِّد كلمات هذا القرآن وهو لا يشعر!! وفي هذا
إعجاز أكبر مما لو تمَّ الاكتشاف على أيدي المؤمنين.
ولو تتبعنا آيات القرآن الكونية نجدها غالباً ما تخاطب الملحدين البعيدين عن
كتاب الله والمنكرين لكلامه تبارك وتعالى. فالمؤمن يؤمن بكل ما أنزل الله
سبحانه وتعالى، وهذه الحقائق العلمية تزيده يقيناً وإيماناً بخالق هذا الكون
ومبدعه وهو القائل عن إبداع خلقه: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].
أما الملحد الذي ينكر القرآن ولا يؤمن برسالة الإسلام، فيجب عليه أن ينظرَ
ويتأمَّلَ ليصل إلى إيمان عن قناعة، وليدرك من وراء هذه الحقائق صدق
هذا الدين وصدق خاتم النبيّين عليه أفضل الصلاة والتسليم.
عظمة الكون
هنالك أنواع متعددة من المجرات تسبح في الكون وتشكل لبنات بناء في
هذا الكون الواسع. وتوجد في الكون المرئي من هذه المجرات أو "اللبنات"
مئات البلايين!! وبالرغم من ذلك لا تشكل إلا أقل من 5 بالمئة من البناء
الكوني، أما الـ 95 بالمئة الباقية فهي مادة
مظلمة لا تُرى. إن كل مجرة من هذه المجرات تحوي أكثر من مئة ألف
مليون نجم!
فسبحان مبدع هذا البناء العظيم.
إن الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كيلو متراً تقريباً، وهو
يقطع في سنة كاملة 9.5 تريليون كيلو متراً تقريباً، والمجرَّة التي تبعد عنا
بليون سنة ضوئية، يحتاج ضوؤها للوصول إلينا إلى بليون سنة! خلال
هذا الزمن يقطع ضوء هذه المجرة مسافة قدرها 9.5 ألف مليون مليون مليون
كيلو متر!!