ملخص بداية حساب السنة الهجرية 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام

على رسول الله وبعد:

قال الله تعالى:

{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي

ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}،

- إنَّ اَلتَّارِيخَ اَلْهِجْرِيَّ وَضْعَ لِمَصْلَحَةِ اَلْمُسْلِمِينَ

فِي تَنْظِيمِ أُمُورِهِمْ عِنْدَمَا اِحْتَاجُوا إِلَيْهِ ، 

وَأَوَّل مِنْ وَضْعِهِ هُوَ اَلْخَلِيفَةُ اَلرَّاشِدُ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ

رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ ، فَفِي اَلسَّنَةِ اَلْخَامِسَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ كَتَبَ

إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى اَلْأَشْعَرِيّ : إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كَتَبَ لَيْسَ

لَهَا تَارِيخٌ ، فَجَمَعَ عُمْرُ اَلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ

- فَاسْتَشَارَهُمْ،

 فَقَالَ بَعْضُ اَلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ : أقوالاً لبدء

التاريخ الهجري، ثُمَّ تَشَاوَرُوا 

فَقَالَ بَعْضُهُمْ :

 أَرِّخُوْا مِنْ مَوْلِدِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

 وَقَالَ آخَرُونَ :

أَرِّخُوْا مِنْ مَبْعَثِ اَلرَّسُولِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

وَقَالَ بَعْضُهُمْ :

أَرِّخُوْا مِنْ مُهَاجِرِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، 

فَقَالَ عُمَرْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ : اَلْهِجْرَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ

اَلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ

فَأَرِّخُوْا بِهَا ، فَأَرْخَوْا مِنْ اَلْهِجْرَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى

أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ اَلسَّنَوَاتِ هِيَ اَلسَّنَةُ اَلْأُولَى مِنْ اَلْهِجْرَةِ .


ثُمَّ تَشَاوَرُوا مِنْ أَيِّ شَهْرٍ يَكُونُ اِبْتِدَاءُ اَلسَّنَةِ ؟ 

فَقَالَ بَعْضُهُمْ :

 مِنْ رَمَضَانْ ؛ لِأَنَّهُ اَلشَّهْرُ اَلَّذِي أَنْزَلَ فِيهِ اَلْقُرْآنُ ، 

وَقَالَ آخَرُونَ :

 مِنْ رَبِيعْ اَلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اَلشَّهْرُ اَلَّذِي قَدَّمَ فِيهِ اَلنَّبِيُّ

- صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - اَلْمَدِينَةُ مُهَاجِرًا ،

وَلَكِنَّ عُمَرْ وَعُثْمَانْ بْنْ عَفَّانْ وَعَلِي بْنْ أَبِي طَالِبْ

- رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ اَلْخُلَفَاءُ اَلثَّلَاثَةُ أُفَضِّل

اَلْأُمَّةُ فِي زَمَانِهِمْ

- اِتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ اِبْتِدَاءُ اَلسَّنَةِ مِنْ اَلْمُحَرَّمِ ؛

لِأَنَّهُ شَهْرُ حَرَامٍ يَلِي شَهْر ذِي اَلْحُجَّةِ اَلَّذِي يُؤَدِّي

اَلْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَجَّهُمْ اَلَّذِي بِهِ تَمَامُ أَرْكَانِ دِينِهِمْ ، 

وَاَلَّذِي كَانَتْ فِيهِ بَيْعَةُ اَلْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالْعَزِيمَةُ عَلَى اَلْهِجْرَةِ ، فَكَانَ اِبْتِدَاءَ اَلسَّنَةِ اَلْهِجْرِيَّةِ

مِنْ شَهْرِ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ ،

هَذَا مُلَخَّصٌ وَمُجْمَلُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اَلْعِلْمِ فِي كُتُبِهِمْ

كَالطَّبَرِيِّ فِي تَارِيخِ اَلرُّسُلِ وَالْمُلُوكِ ،

وَابْنُ كَثِيرٍفِي اَلسِّيرَةِ اَلنَّبَوِيَّةِ وَالْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ ، 

وَابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ اَلْبَارِي . 


وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا صِحَّةً لِمَا يَزْعُمُهُ اَلْبَعْضُ مِنْ

أَنَّ صَحَائِفَ اَلْأَعْمَالِ تُطْوَى فِي نِهَايَةِ اَلْعَامِ ، 

فَقَدْ مَرَّ عَهْدُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

وَعَهْدَ أَبِي بَكْرْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ ، وَلَمْ يُؤَرِّخْ اَلتَّأْرِيخُ ،

فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُطْوَى ! ، وَالْحَقُّ أَنَّ

صَحَائِفَ اَلْأَعْمَالِ لَا تُطْوَى إِلَّا بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ

صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِذَا مَاتَ اَلْإِنْسَانُ اِنْقَطَعَ عَنْهُ

عَمَلَهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ

أَوْ عِلْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ وُلِدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » ، 

وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ اَلْبِدَعِ اَلْمُحْدَثَةِ تَخْصِيص آخَرَ اَلْعَامَ

اَلْهِجْرِيَّ بِعَمَلٍ صَالِحٍ حَيْثُ لَمْ يَرُدْ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ،

وَلَمْ يَفْعَلْهُ سَلَفُنَا اَلصَّالِحُ ،

وَالْعِبَادَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اَلدَّلِيلِ ،

وَقَدْ قَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( مِنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) ،

وَمَثَلُكَ ذَلِكَ اَلِاحْتِفَالِ بِالْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ اَلَّذِي أَحْدَثَهُ

اَلْمُبْتَدَعَةِ وَأهل الضَّلَالِ ،

وَبِهَذَا اِتَّخَذُوهُ عِيدًا وَلَا عِيد فِي اَلْإِسْلَامِ

إِلَّا عِيدُ اَلْفِطْرِ وَعِيدِ اَلْأَضْحَى .

ثُمَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلسَّنَةِ اَلتَّهْنِئَةِ بِدُخُولِ

اَلْعَامِ اَلْهِجْرِيِّ اَلْجَدِيدِ ،

أَوْ طَلَبِ اَلْمُسَامَحَةِ ،

أَوْ اَلتَّوَاصِي بِاسْتِغْلَالِ آخَرَ جُمْعَة ، 

أَوْ تَخْصِيصِهَا بِالتَّوْبَةِ . 

فَاحْذَرُوا - مِنْ تِلْكَ اَلتَّصَرُّفَاتِ وَنَحْوهَا

مِمَّا لَا دَلِيل عَلَيْهِ لَا مِنْ اَلْقُرْآنِ

وَلَا مِنْ اَلسَّنَةِ وَلَا مِنْ فِعْلِ اَلسَّلَفِ اَلصَّالِحِ ،

وَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ دِينًا لَا يَكُونُ اَلْيَوْمَ دِينًا .


فَإِنَّ شَهْرَ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ مِنْ اَلْأَشْهُرِ اَلْحَرَمَ

اَلَّتِي نَهَيْنَا أَنْ نَظْلِمَ فِيهِنَّ أَنْفُسُنَا

{ إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِنْدَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ

شَهْرًا فِي كِتَابِ اَللَّهِ يَوْمَ خَلْقِ اَلسَّمَاوَاتِ

وَالْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ حَرَمٍ } ، 

فَاحْذَرُوا اَلظُّلْمَ عَامَّةً، 

وَفِي شَهْرٍ مُحَرَّمٍ خَاصَّةٍ ،

 فَلَمْ تَأْتِ إِضَافَةُ شَهْرٍ إِلَى اَللَّهِ إِلَّا شَهْرٌ

مُحَرَّمٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهِ

 وَعُلُوّ قَدْرِهِ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى ، 

وَقَدْ دَلَّ اَلْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ اَلسَّنَةِ صِيَامَهُ ،

قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« أَفْضَلَ اَلصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانْ شَهْرَ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ »

رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، 

فَاحْرِصْ أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُ عَلَى صِيَامِهِ ،

فَإِنَّ اَلصِّيَامَ سَتْر وَوِقَايَةً مِنْ اَلنَّارِ ،

قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« اَلصِّيَامُ جَنَّةً » مُتَّفَق عَلَيْهِ .